التغيّيرالمشروط وفلسفة التغيّر التاريخي عند الشهيد الصدر
بقلم – جعفريتيم
يعطي المفكرالشهيد السيد محمد باقرالصدر(رح) بحثاً قرآنياً رائعاً في هذه الآية الشريفة ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (1) والذي أشبعها بحثاً في فلسفته للتاريخ مع إستدلالات ونماذج علمية وموضوعية معاصرة, وفي الحقيقة أن هذه الآية الشريفة مع مجموعة من الآيات القرآنية الأخرى ( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ) (2 ) (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) (3) (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (4) (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ) (5) (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) (6) هذه الآيات كانت محور بحث الشهيد الصدر (رح) مع إعطائها واقعاً علمياً وعملياً معاصراً للإنسان (الفرد) والجماعات والأمم والدول على حد سواء , كما كان يطرح بعض الامثلة في الفترة التي عايشها مع الواقع العلمي والحراك السياسي العالمي ورده على بعض الفلاسفة الغربيين والنظريات الحديثة , الشهيد الصدر وبكل بساطة يريد أن يقول وباختصار شديد إن لم تغيّر مابباطنك الداخلي لم تتغّير وهو التغيّير الروحي والنفسي لهذه الكيانات بمجموعها وهي القاعدة الأساس في التغيّير كما هي حركة التاريخ في تغيير شئون الفرد والأقوام والأمم في أوضاعها وظواهرها وأبنيتها, فهي الفلسفة التي وقف عليها الشهيد مراراً في بحثه حول هذه الآية والتي أطلق عليها (القضية الشرطية / الشرط والجزاء) وعدّها في فلسفته شكل من أشكال السنن التاريخية والتي تؤكد العلاقة بين الشرط والجزاء بمعنى آخر أن هذا الكيان ما أن التزم بقاعدة التغيير وبمعاييرها وشروطها كانت له نتيجة إيجابيه وهي الجزاء , أي أن الإنسان أو الجماعة أو الأمة أو الدولة إذا لم تغيّر ما بباطنها لايحصل تغيّر وهو قانون سنني تاريخي كما هو قانون علمي .(7)
المرحوم السيد الصدر في فلسفته التاريخية والواقعية هذه يلامس ويضرب بوتر حساس لواقعنا في العالم العربي الراهن على الأقل في الواقع السياسي والحقوقي والاجتماعي المتردي هذه الأيام بهذه الفلسفة التاريخية المستنبطة من آيات القرآن الكريم , وهي الفكرة التي نستخلصها من بحثه على أن حكومات الدول العربية التي تتحدث وتتشدق باسم الإصلاح والتغيير ومفاهيم الحرية والعدالة والمساواة وحقوق المرأة الى غير ذلك من مبادئ حقوق الإنسان , إذا لم يحصل التغيّير في باطنها الداخلي بصدق وأمانة وإخلاص لايتغير منهجها وأسلوبها ولن تخطو خطوة واحدة الى الأمام بل سيبقى الوضع على ماهو عليه , مما يؤدي الى تراكم القضايا والمشاكل السياسية والحقوقية ويزداد سخط العامة من الناس على حكامها وحكوماتها , وتتجاوز هذه السنة الى سنة تاريخية أخرى من سنن التاريخ تكون قاسية ومذلة في التغيير التاريخي على أنظمة وشخوص الظلمة وأعوانهم وتكون امتحاناً وتمحيصاَ للمستضعفين والمحرومين , على أن الظلم والإضطهاد لايدوم كثيراً, وأن الأنظمة والدول الظالمة والمارقة زائلة كما زال فرعون وهامان سابقاً وصدام وبن علي و مبارك والقذافي لاحقاً , وهي سنة إلاهية كونية قد تحققت من قبل والآن وسوف تتحقق في المستقبل القريب , والله لايخلف وعده للمستضعفين والمحرومين وقد وعد ذلك بنصرهم (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (8).
_____________________
26/8/2011
1-سورة الرعد الآية 11.
2-سورة الجن الآية 16
3-سورة السراء الآية 16
4-سورة الأنفال الآية 53.
5-سورة المائدة الآية 6 6
6-سورة الأعراف الآية 96
7- راجع ( ملحق ) بحث السيد الصدر في ملحق كتاب (المجتمع والتأريخ) للشهيد مطهري , ترجمة محمد علي آذر شب ,الطبعة الأولى 2008.
8-سورة القصص الآية 5
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق