طبيعة السواحل

طبيعة السواحل

الجمعة، 19 نوفمبر 2010

المعالم الساحلية لسماهيج (8)

ظاهرة المد والجزروالتيارات الهوائية

بقلم-جعفريتيم
أولاً-المد والجزر
ترتبط بالسواحل الشمالية الشرقية للجزيرة ظاهرتي المد والجزر وهي إحدى الظواهر الطبيعية التي تتصل بتأثير الشمس والقمر على الأرض بفعل الجاذبية (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)(1)  (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (2), وظاهرة المد والجزر تشاهد بكل وضوح على دورتين في اليوم الواحد , وذلك في زيادة وانخفاض منسوب ماء البحر أمام السواحل ففي حالة المد يكون منسوب ماء البحر مرتفع وملامس للساحل ومن علامات المد في حالة (السقي) وجود رغوة في الماء بالقرب من الساحل تسمى (الزبد) والسرعة في الحركة المائية واخضرار لون البحر وزيادة في صيد الأسماك , أما في حالة الجزر(الثبر) فإن مياه البحر بعد الإرتفاع المؤقت تغادر الساحل الى العمق وتبدأ الأسماك بمغادرة المياه الضحلة الى الأعماق وينكشف عن كل مافوق السطح (قاع البحر) من صخور وشعاب مرجانية وتظهر الحشائش والطحالب والأحجار وكسور المحار والقواقع وغير ذلك من أجسام بحرية بالإضافة الى وضوح مصادر المياه الجوفية (الكواكب) وجريان الماء منها فوق السطح , ولتواصل الدورة في كلتا حالتيها عبر الزمن ينتج عنهما الكثير من الإفرازات الطبيعية للبيئة البحرية على مستوى سطح البحر والساحل كما هي عوامل التعرية في تكوين الممرات المائية والحفر والعكس صحيح في تكوين الرواسب والأحجار وغير ذلك , كما لهذه الظاهر الطبيعية فوائد كبيرة اسثمرها البحارة والممتهنين للبحر وعن طريقهما تتجدد (المايه) في الصيد واخلاء القراقير وقد عرفت فلسفة الصيد في هذا الأسلوب والنظام المتبع للصيد فبعد كل حالة مد يأتي الصياد لاستحصال الأسماك من المصائد المنصوبة ( الحضرة ,المسكر) وكذلك بالنسبة للقراقير الموضوعه بالقرب من الساحل في الفجوات والثغور للصخور المرجانية كما هي في موقعي الحرف والباب العود.
وقد أكتسب البحارة من هذه الظاهرة الطبيعية المعرفة بمنسوب الماء (المايه) حتى أن بعض البحارة ممن لديهم الخبرة والدراية وهم في منازلهم بنظره واحده للأفق بالسماء يعرف المنسوب المائي لهذه الظاهرة من دون أن يذهب الى الساحل ويتفقد سطح البحر, بل أن الأمور تصل بحسب معرفتهم وخبرتهم من خلال الشهور القمرية كيف يكون منسوب الماء في أوله أو في آخره أوأن  تكون المايه غير مكتمله أو في جفاف تمام للماء وعلى هذا الأساس تولدت بعض المصطلحات والمفاهيم البحرية المرافقه والمصاحبة لهذه الظاهرة ومنها على سبيل المثال  (ثبر ,لغو,شوع,سون,ماية الراس,ماية النصف, سقي,فجت أو راحت المياه, غزار ,طفاح أوقراح وغير ذلك من المصطلحات البحرية المعروفة التي لاتزال يتداولها البحارة لحد هذا اليوم .

ثانياً-البحارة والتيارات الهوائيه
لقد ارتبط البحارة والصيادون القدماء بالبحر أيمّا ارتباط وثيق بينهم والمُؤسس على الفكر والبصيرة فكانت هي المدرسة أو الجامعة العلمية الكبيرة التي احتضنتهم ونهلوا من مخاطرها الخبرة والدرايه والصبر والتحمل ومن قسوتها العلم والمعرفة والحكمة وليس غريباً أن يلم كبير البحاره (النوخذه) بالتاريخ والتوقيت وفصول السنة ومعرفة الأشهر القمرية وأسماء طوالع النجوم ووقت ظهورها وغيابها فإنها كانت لهم علامات يهتدون بها في طرقهم الى عمق البحر    (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (3) (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (4) وكانت لهم تحذير ونذير في بعض المواسم والأيام لعدم ركوب البحر وفي أوقات معينه من السنة وذلك لما تنهال على البحارة من خطر التيارات الهوائية (الضربات والسرايات) التي تصحبها الامواج العاتية وتدمر أشرعتهم ومحاملهم وإلآ فكانت لديهم العلم والمعرفة بهذه التيارات ومتى تأتي وتعصف بالمنطقة ومتى تهدأ وتخبت , وفي مواسم الغوص يعرفون كيف يتجهُون ويرسون إذا ماجائت هذه التيارات الهوائية القوية فإنهم يتحصنُون في المياه الضحلة (البنادر) للإتقاء من شر هذه التيارات ,ومن خلال الخبرة والمعرفة بهذه التيارات الهوائية الموسميه تولدت لديهم المفاهيم والاصطلاحات البحرية العديدة المتعارفه بينهم ومنها الهواء شمال أي الهواء القادم من جهة الشمال أو شمال مغارب أي غربي , وهواء بحري الذي يهب من البحر وهي الجهة الشرقية بالنسبة لأهالي سماهيج وعادتما يكون الهواء مشبع بالرطوبة التي تخنق, وهواء (كوس) أي الهواء القادم من الجهة الجنوبية المشبع بالحرارة والرطوبة وهناك العديد من التيارات الهوائيه الموسميه المرتبطة بظهور النجوم والتي تعصف بالمنطقة مثل (البارح,الصرف,النعايم,المُرزم) وارتبطت بهذه الاصطلاحات الهوائيه مطصلحات أخرى مصاحبه لها في توصيف الحالة الجوية للمنطقة في البحر أو على الساحل من قبيل مصطلحات (خواهر,تارس,سايبه , طهف,طوفان,سرايه, ضربه,مدوك, سبحه) وغير ذلك من الأسماء ,وقد اشتهر العديد من النواخذه وكبارالممتهنين للبحر في الساحل الشمال الشرقي للجزيرة بعلم ومعرفة طوالع النجوم والمناخ التي يطلق عليها اصطلاحاً عند البحارة الأوائل بالحسبة وهم يعتبرون عند المجتمع كالخبراء والأخصائيين في هذا المجال ويلتجأون اليهم في حالة طلب المعرفة والإستشارة ,وبفضل هذا العلم بأوقات هبوب الرياح الشديدة والقوية التي تعصف بالمنطقة سوى كانت الرياح باردة أم حارة كان هؤلاء الخبراء لايتوانون ولو للحظة واحدة في التوجيه واسداء النصيحة للبحارة وعامة الناس بتجنب دخول البحر في هذه الاوقات حفاظاً على سلامة أرواحهم من الغرق والهلاك في البحر, وحتى وقت قريب كان المرحوم الحاج حسن بن علي المؤذن ت(1989م) ذوخبرة واسعة بعلم طوالع النجوم ودراية كبيرة بأوقات الرياح الباردة والحارة يحرص أتم الحرص على توجيه بعض البحارة بعدم دخول البحر في المواسم التي تكون فيها (الضربات والسرايات) بل أن بعض الصيادين يذهبون اليه للاستشارة وطلب المعرفة بأوقات دخول مواسم الرياح .
_________
1-سورة آل عمران-آية (190)
2-سورة يونس- آية (6)
3-سورة النحل–آية (16)
4-سورة الانعام- آية (97)

الثلاثاء، 16 نوفمبر 2010

تدمير وتغييب الأصول التاريخية

تدمير وتغييب الأصول التاريخية

المحرق - جعفر يتيم
تفتخر البشرية على أنها قامت باكتشاف بعض خفايا وأسرار الماضين من الأقوام والجماعات السابقة وذلك عن طريق التنقيبات والكشوفات الأثرية من فوق سطح الأرض وتحت أكوام التراب وفي المغاور والكهوف والوديان، وهناك العديد من الحضارات القديمة قد اكتشفت عن طريق هذا النحو في العالم القديم (الحضارة اليونانية والفارسية وبلاد الرافدين ودلمون وشبه الجزيرة العربية والحضارة الفرعونية) وغيرها من حضارات العالم القديم، ولولا وجود هذه الكشوفات والتنقيبات الأثرية لما عرف المنقبون والآثاريون وعلماء التاريخ فكر ولغة وعادات وتقاليد هذه الأقوام السالفة، كما أنه لولا الخيال العلمي والبحوث والدراسات التاريخية لم يعرف هؤلاء الفكر الذي قامت عليه هذه الحضارات من حيث وجودها وانتهاؤها وكذلك معرفة اتساعها واتصالها الحضاري بالشعوب الأخرى المجاورة، والأهم من ذلك كله أن العالم عرف هذه الآثار من معالم وأصول تاريخية وحفظها من التلف والتخريب والتعرض للسرقة والتدمير لتبقى عبرة وفكراً للإنسانية.
وعملية الاكتشاف الأثري للمعالم وآثار الماضّين لعله القانون الطبيعي لبني الإنسان إذ إن الباري عزو وجل سخر لبني آدم كل شيء ووهبه التبصَر والتفكر «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (سورة الجاثية: 13).
ولكن الأمر غير الطبيعي والمخالف له أن يسعى الإنسان ضد أخيه الآخر في تدمير هذه الآثار والمعالم الحضارية التي تعتبر أسس وأصول تاريخية للشعوب كما حدثت أن دمرت بعض الآثار في أفغانستان وشبه الجزيرة العربية، بل إن شقاء الإنسان وصل إلى أكثر من ذلك في تدمير ما وهبه الله وأنعم عليه من نعم وخيرات لتغيِيبه البيئة البحرية والنباتية ومحو معالمها الجغرافية والتاريخية بدل أن يحافظ عليها ويسخّرها لمصالحه ومصالح بني جنسه يقوم بعملية التدمير للأصول والأسس التاريخية وهو عكس الاتجاه الأول وضد التيار المحافظ للتراث والتاريخ الوطني «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (سورة الروم:41). «وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ» (سورة البقرة: 205) وهذا ما حصل بالفعل لمعظم سواحل أرخبيل البحرين، وسواحل سماهيج ما هي إلا عينة من هذه السواحل التي تعرضت للطمر والدفن والتغيّيب، وليس مبالغة إن قلنا إن هذه السواحل كانت نبض حياة ورفاهية والرئة التي يتنفس منها الأهالي في حياتهم اليومية.
إلا أنه وللأسف الشديد ضاعت أصول وأسس تاريخية وجغرافية عظيمة في مضمونها، كبيرة في شكلها وصورتها، رائعة في جمالها كان المواطن يعتز ويفخر بها وما أكثر هذه الأصول التي هي في تكوينها تعتبر معالم تراثية ورموز بحرية وساحلية وبيئية قد طمرت وغيّبت ومن أشهرها العيون، الكواكب، جزيرة جردي والباب العود وغيرها من معالم جغرافيه وتاريخية.
إن الشعوب التي ليس لها تاريخ ليس لها حضارة ولا أصول ولا جذور وبمعنى آخر إنها تفتقر إلى الأسس الحضارية فالتاريخ يعكس مختلف أوجه النشاطات (1) وعليه أن هذه المعالم والرموز البحرية والبيئية أنها كانت في يوم من الأيام تراث حضاري للشعوب القاطنة في إقليم البحرين والآن قد غابت الأسس والأصول عن هذه الأرض، إذ كانت مرآة تعكس الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية لأهالي المنطقة وبالخصوص قاطني سماهيج التاريخية جزيرة المحرق الحالية فيما يتعلق بهم البحث التاريخي، والوضع الآن لما آلت إليه الأمور لا يدعو إلى تبرير دفن السواحل بحجة التوسعة والاستثمار الاقتصادي! بل إن الأمور وصلت إلى أبشع من ذلك بكثير في طمر هذه المعالم والرموز البيئية.
والأمر المستغرب كما طرح في المقدمة أن يكون الشيء غير الطبيعي هو المألوف، والمنطقة في الأساس بوضعها الجغرافي تحتاج إلى دراسات تاريخية وجغرافية وإلى بحوث بيئية لأشهر معالمها ورموزها البحرية للتوصل إلى معلومات ذات قيمة عن هذه الأرض، وما هو معلوم تاريخياً أن هذه المنطقة للشمال الشرقي من أرخبيل البحرين توجد لها إشارات تاريخية في المصادر والكتب التاريخية في وصف بساتينها الخضراء وعذوبة مياه عيونها ونضارة سواحلها وكذلك الحديث عن تجارة اللؤلؤ واتصال الشعوب ببعضها البعض.
إن لبعض معالمها الساحلية تبهر الناظر بالروعة والجمال بصياغتها وهندستها لذلك يحتاج المرء إلى وقفة تأمل وتفسير، وكما هي عادت المنقبين والآثاريين في الكشف عن أسرار ما يجدونه تحت أكوام التراب وما يكتشفونه على الأرض من أسس تاريخية كالمدن والحصون يتوصلون إلى العديد من التفسيرات التاريخية (2)، ولعل الباب العود من أشهر المعالم الساحلية الذي يعتبر معجزة تراثية يستحق أن تكتب فيه عشرات البحوث كما هي منطقة رأس الحد (البلدة المأهولة) جزر أمواج الحالية لما لهذا المعلم من فلسفة وحكمة في فنه وجمال روعته الجغرافية قد تستنتج من روايات البحارة وكبار السن، إلا أنه وللأسف الشديد لآثار الدفن والطمر قد أخذ مأخذه وغيّبه للأبد ولم يستفد من وجوده ولا من تكوينه ولا من عطائه التاريخي ذات الصلة بالاتصال الإقليمي بين شعوب المنطقة.
ولعل الذي يعنينا في هذه السلسلة التراثية أن ندون ونوثق كلما رأيناه وروته لنا المصادر الشفوية والكتابية، كما أن الحس الأخلاقي والوطني وحبنا للأرض يدعونا لذلك وكما قيل لولا التاريخ والتدوين لضاعت معالم حضارية كثيرة من العالم القديم والحديث على السواء (3).
المصادر والمراجع :
1- مناهج الفكر والبحث التاريخي والعلوم المساعدة (ص 22) - الدكتور حسن حلاق.
2- انظرالعرب في العصور القديمة (ص 121-157)، وكذلك اليونان - مقدمة في التاريخ الحضاري (ص 47-59) للدكتور لطفي عبدالوهاب يحيى.
3- مناهج الفكر والبحث التاريخي والعلوم المساعدة (ص 40) - الدكتور حسن حلاق.

نشرت في صحيفة الوسط البحرينية- ملحق فضاءات
http://www.alwasatnews.com/2988/news/read/509473/1.html