صناعة الخبز البحري
بقلم- جعفريتيم
تعتبر الطحالب والحشائش البحرية بأنواعها المختلفة هي المادة الأساس التي يعتمد عليها البحارة في (العمآر) واستخدامها كطعم أولي لاصطياد الأسماك ,كما كانت من قبل منذ القدم تستخدم الطعوم التقليدية (السم,الطحين) وقبل ثلاثة عقود تقريباً أدخل في نظام الطعوم طعم جديد يعرف بالخبزالأسمر أو الخبز البحري وقد طغى استخدامه على الطعم الطبيعي و الفطري للأسماك (الحشائش-الطحالب) وأصبحت له عناية وفلسفة خاصة في فن الصيد بل في نوعية اصطياد السمك المطلوب بحسب مايريده البحارة وماتتطلبه سوق العمل.
ربما يكون تركيبة (الماء+الطحين=العجين) هي الصلة التاريخية بين طعم العجين والخبز الأسمر منذ سالف الأزمان فقد كان انسان الساحل يصطاد السمك من خلال الطحين أو العجين ويعد ابتكاراً في أنظمة وطرق الصيد الأخرى الآ أن لوجود المادة البحرية الطبيعية (الحشائش-الطحالب) أثَر بكثير في إنتاجية الصيد عند البحارة على مر العصور السالفة .
وأنَ للعجينة دور تاريخي مؤثر في مراحل الصيد والإستمتاع به وحتى لسنوات قليلة قد خلت كان الصبية الصغاريلهون باصطيادهم الأسماك الصغيرة بمصيدة (المشخال) الذي يلف على وجهه خرق أو قطعة من القماش ويدهن بالطحين ليكون ترفه وطعم لصيد الأسماك ,هذه الظاهرة التقليدية للصيد لاتزال ترى وتشاهد على السواحل وكيف يستمتع بها الأطفال وهي تعتبر إحدى الهوايات البحرية القديمة لأهالي سماهيج بعدما كانت في الماضي وسيلة صيد نافعة أصبحت وسيلة ترفيه واستمتاع للصيد.
لعل شحة وندرة وجود الحشائش والطحالب هو الذي مهد لدخول الخبز البحري على خط نظام العمآر والطعوم واعتماد بحَار المنطقة عليه وذلك جراء دفن وتدمير البيئة البحرية ومنبت النباتات البحرية أصبح الخبز هو سيد الطعوم والطاغي في الإستخدامات , وتاريخ وصوله كان في ثمانينيات القرن الماضي حينما استفاد بحارة أهل البحرين من بحارة أهالي المنطقة الشرقية بالسعودية القطيف وسيهات وبدى ذلك واضحاً في العمل على صنعه بالطريقة البدائية والتقليدية على (التنكة أو التاوه) وكان البحارة بأنفسهم يصنعون الخبز بعدما يشترون العجين من الخبآزين في القرية الى أن تطورت صناعته بالشكل واللون الحالي بوجود مصانع أومخابز بحرية متخصصة ومرخصة من قبل الدولة , ويعتبرالبحار حسن إبراهيم المعتوق هو أول من أسس لبنات هذه المصانع أو المخابز ليس على مستوى سماهيج فحسب بل على مستوى البحرين والخليج العربي وبمشاركة واسعة من الحاج علي خليل معيوف في تجهيز العجين للبحارة بعدما وفر له مكان في منزل والده واشترى له ماكينة للعجين ومن ثم بيع العجين على المخابزالصغيرة والبحارة المحترفين منهم والهواة .
كان للبحار حسن ابراهيم المعتوق بمخيلته الواسعه وفكره الجريئ الفضل الكبير على البحارة ,وعلى أن يوجد ويأسس لخبز بحري خاص للأسماك مغايراً عن المعتاد ومتطوراً عن النوع التقليدي العادي وبالفعل قد عمل على ذلك في بدايات صنعه وتأسيسه للمخبز في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي حينما أوجد عجينة خاصة وخبزاً خاصاً للأسماك مما أدى ذلك للتطور في صناعة الطعوم البحرية وبذلك أصبح الخبز البحري ثورة صناعية بحرية إن صح التعبير في الإنتاج البحري لدى البحارة المحترفين حينما قلبت الموازين بترك المادة الطبيعية والإعتماد على الخبز البحري الصناعي.
في بادئ الأمر صنع الخبز البحري على سواحل سماهيج حينما اعتمد البحار حسن المعتوق على نفسه ليوجد له عمرة طعم بذوقه وفنه وخلطته على النار التقليدية (التاوه) وبعد ذلك تطور الأمر الى أن يبيع على البحارة مما تكاثر الطلب على الخبز واستأجر محل بالقرب من بيت والده وجعله مخبزاً وأوجد بالمخبز ثلاثة من التنانير يعملون بنظام الغاز (المشعل) وفي ذات الوقت أوجد الحاج علي خليل معيوف له محل في بيت والده واشترى ماكينة ( عجانة) بعد دعماً ومآزرة من قبل البحارة أنفسهم ,وعمل على صنع العجين وبيعه على المخبز البحري وعلى بحارة المنطقة وكان ذلك في نهاية الثمانينيات وبعد فترة وجيزة بعد ما ازداد الطلب على الخبز انتقل البحار حسن المعتوق الى الساحل المجاور للبحر وبالتحديد في بستان السيول بالقرب من الجوجب العود ومنذ ذلك الحين بتاريخ (13/6/1994) أصبح المخبز يعمل رسمياً وفيه مجموعة تنانير يعملون بنظام (المشعل) وانظم حسن المعتوق وعلي معيوف معاً ليأسسوا المخبز ,ويعتبر المخبز البحري أول مخبز بحري يتأسس في المنطقة والبحرين بحيث أن يكون المخبز مستقلاً ومنتجاً بذاته حيث ينتج مايزيد على 50 كيساً في اليوم الواحد من الطلبات التي توزع على البحارة في مختلف مناطق البحرين وامتدت الطلبات في توزيعها الى بحارة الخليج من دول الإمارات وقطر والسعودية .
نوعية العجين والخبز :
لعجين الخبز البحري نوعية خاصة ومغايرة عن الخبز الذي يأكله الانسان حيث تصنع العجينة من الطحين العادي (رقم2) بمزج الطحين مع الماء بدون إضافة مادة الخميرة وذلك فيه فلسفة وفن لانه باضافة الخميرة يكون الخبز خفيفاً ويطفو فوق سطح الماء ولايستفاده منه الا في وقت قصير ,أما بالعجينة العادية فإن الخبز يكون وزنه ثقيل ذات سمك عريض ليبقى محله بوسط المصيدة لعدة أيام وأسابيع دون ان يتحلل مما يجعل الأسماك تحوم حول القراقير ويشدها الطعم وبالتالي تدخل لتلهم الخبز, لاريب أن هذا الفن والفلسفة أتيا من خلال الممارسة العملية للصيد الا أنها تعبر عن مدى الفكر السليم الذي توصل اليه بحار هذه المنطقة وإنتاجه الوفيرمن خلال الصناعة البحرية وصيد الاسماك .
بعد مضي سنوات بسيطة على افتتاح أول مخبز بحري في سماهيج وذلك في سنة (1994) أقدم الحاج علي ابراهيم معيوف بتأسيس ثاني مخبز بحري (2000) ومرخصاً له بعد ان كان في بداية تأسيسه يعمل بنفسه مع بعض من شباب القرية على تنور واحد فقط الى أن جلب مجموعة من العمال الأسيويين للعمل بشكل رسمي,يقع المخبز في الطرف الجنوب الغربي لبستان (دالية شاهين) في وسط قرية سماهيج واسمه الرسمي (مخبز أضواء النجف لخبز الأسماك) وأضاف في مابعد على محتوى السجل (للإستيراد والتصدير) ,وبعد ذلك عمل على توسعة العمل باقامة ثلاثة تنانير للزيادة في الانتاج وفي سنة 2008 وسع عمله باستخدام التنور الآلي (الأوتوماتيكي) للخبز الخفيف المعروف (اللبناني)وذلك للطلب عليه من قبل بعض البحارة واستخدامه للتوزان في العمرة , وبذلك طور في نوعية الإنتاج باضافة نكهات إضافية بمزجها مع العجينة مثل (سمك العومة ومادة (الصل) الذي يستخرج من الحوت وفضلات الجيم ) وهو ما يؤدي الى زيادة الترفه في صيد الأسماك وتعتبر هذه الطريقة والأسلوب هي من إحدى النقلات النوعية في طرق الطعم لصيد الأسماك وهي تمثل إعادة للحياة الفطرية القديمة .ويعتبر مخبزي البحري وأضواء النجف من أهم المخابز في البحرين التي يعتمد عليهما البحارة لشراء الخبز وتوصيله الى محل وموقع البحارة في مناطق وسواحل البحرين عن طريق حاويات الخبز التي يمتلكها المخبزين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق