بقلم- جعفريتيم
سماهيج.. لاتزال هذه اللفظة تحتل مكانة الغموض في أصلها ومعناها ,ويبدو أن اللفظة قد تطورت على مدى عقود و قرون متعاقبة وشابها بعض التغيير في حروفها ونطقها وليس هناك لحد الآن معنى حقيقي محدد لها يستمد منها المعنى العام ,ولعل الأمر الآخرالمبهم في أصولها ان لها وجود زمني قديم جاءت في سياقات متعددة لدى الكتاب الفرس ومجامع النساطرة والسريان أضف الى ذلك تداول الكلمة عند بعض الشعراء والادباء واللغويين العرب في عقود لاحقة ,ومما يشير الإنتباه له ان هذه المفردة تعددت ألفاظها لأكثر من مرة في النصوص والوثائق التاريخية لدى الجهات الأجنبية آنذاك التي هيمنت على اقليم البحرين في القرون الاولى الميلادية بالإضافة الى الخرائط الجغرافية القديمة للمنطقة.
أسماء عديدة :
من الأسماء المشهورة والتي ذكرتها المصادر والمراجع لمفردة سماهيج مايلي :
ماشي ماهي ,ميش ماهيك ,سماهي, مسماهيج ,مسكماهيج , مشماهيج , مشماهيك ,مسمهيج ,مسمهيغ الى ان ثبت الاسم على لفظة سماهيج والتي تشير بكل وضوح لتلك القرية الواقعه في الشمال الشرقي من جزيرة المحرق ضمن مجموعة أخرى من جزر أرخبيل البحرين .
مشماهيج - مشماهيك:
كلمة ماشي ماهي أوميش ماهيك جائت في المصادر الفارسية القديمة وتدخل في مجموعة من المعاني المتعددة مثلاً ( السمكة الكبيرة , سمكة الجزيرة ,السمكة ,نعجة السمك ,لحم السمك , السمكات الثلاث ) ,ولا يزال الكتاب الايرانيون حينما يوردون كلمة مشماهيج أو مشماهيك في كتاباتهم التاريخية والجغرافية في الوقت الحالي فانهم يطلقونها بالوصف على مجموعة جزرالبحرين MISHMÂHIG ISLANDS قاطبة وليس على جزيرة المحرق الحالية (سماهيج التاريخية) فحسب مما يدلل على أن هذا الاسم يطلق على اقليم أو منطقة وفي ذلك فان لهم استدلاتهم العلمية من خلال النصوص التاريخية والجغرافية والحدود الدولية السابقة لفترة حكم الأسرة البارثية والإمبراطورية الساسانية ومابعدهما من الدول المتعاقبة على حكم بلاد فارس .
مسماهيج:
اما الألفاظ الأخرى (مسماهيج ,مسمهيج,مسكماهيج ) فيبدو انها تدخل في سياق اللغة السريانية (الآرامية) وهي اللغة الرسمية التي كانت تستخدم في النظام الديني للكنيسة الشرقية في المذهب النسطوري , وهناك نصوص متعددة أهمها ماجائت به نصوص المجامع والرسائل النسطورية لأسقفية مسماهيج التي كانت تتصدر الأسقفيات في أقليم البحرين سابقاً .
سماهي :
نجد صاحب كتاب دليل الخليج الكاتب الإنجليزي (لومير) حينما ذكر اسم سماهيج في جدول المدن والقرى لجزيرة المحرق أشار الى نطقها بـ (سماهي) بدون حرف الجيم وهي لفظة متطورة عن باقي الألفاظ الأخرى ويمكن تحديد زمن تداولها في الفترة مابين القرن التاسع عشر الميلادي وبدايات القرن العشرين أوقبلها بفترة وجيزة , ومن الملاحظ أن بعض أهالي مدينة المحرق حينما يلفظون اسم سماهيج يلفظونه بسماهين بحرف النون , والجيم هنا محذوفه وهو الأمر الغريب في هذه المفردة لهذا التسلسل في لفظها وهو مايعقد المسألة تاريخياً من حيث أصولها ومعناها , والتي تجعل هذه الأسئلة تحور وتدور مراراً في أذهاننا لأهميتها التاريخية ,هل هذه اللفظة من أصول فارسية كما يشاع عنها ؟ أم سريانية أو ان لها جذور عربية أصيلة علماً أن بعض المصادراللغوية تذكر أن الكلمة معربة وجائت من أصول فارسية (ماشي ماهي) .
الاسم والموقع :
جاءت لفظة سماهيج في مجموعة كبيرة من المصادرالعربية اللغوية ويبدو أن اللفظة تكررت في أكثر من مصدر مما يدلّل على اشتهار الإسم قديما، وتأتي المفردة بعدة معاني مع ذكر الموقع لها فقد جاءت تحت مسمى جزيرة وتارة موضع وتارة قرية أو بجانب الساحل ,وهنا مجموعة من هذه النماذج لهذه المصادر:
أولا:الاسم والمعنى
1- لسان العرب (ابن منظور) - محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري
وسماهيج موضع قال يا دار سلمى بين دارات العوج جرت عليها كل ريح سيهوج هوجاء جاءت من جبال ياجوج من عن يمين الخط أو سماهيج , وقيل في سماهيج الجزيرة إنها بين عمان والبحرين في البحر قال أبو دواد وإذا أدبرت تقول قصور من سماهيج فوقها آطام.
2- تاج العروس من جواهر القاموس - محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني، أبو الفيض، الملقب بمرتضى، الزبيدي
وسماهج " بالفتح " : ع بين عمان والبحرين " في البحر " وسماهيج إشباعه " زيدت عليه الياء " أو موضع آخر قريب منه " . وفي الصحاح : الأصمعي : سماهيج : جزيرة في البحر تدعى بالفارسية : ماش ما هي فعربتها العرب . وأنشد :
" يا دار سلمى بين دارات العوج"
3- معجم البلدان (الحموي)- ياقوت بن عبد الله الحموي
وسماهيج اسم جزيرة في وسط البحر بين عمان والبحرين عن الأزهري وقال غيره سماهيج جزيرة في البحر تدعى بالفارسية ماش ماهي فعربته العرب قال وقيل هي قرية على جانب البحرين.
4- المحكم والمحيط الأعظم- ابن سيده
وسماهيج: موضع، قال:
جرت عليها كل ريح سيهوج
من عن يمين الخط أو سماهيج
5- المحيط في اللغة- الصاحب بن عباد
وسماهيج جزيرة في البحر
6- المزهر-عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين
وسماهيج: موضع
7- معجم ما استعجم- أبو عبيد البكري
سماهيج: بالبحرين لعبد القيس
8- الجبال و الأمكنة و المياه –الزمخشري
سماهيج: موضع، قال:
جرت عليها كل ريح سيهوج ... من عن يمين الخط أو سماهيج
9- القاموس المحيط – الفيروزآبادي
وسماهج : ع بين عمان والبحرين .
10-المزهر في علوم اللغة وأنواعها - جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي
وسماهيج : موضع
11-جمهرة اللغة -لابن دريد
وسماهيج: موضع.
12-الفصول والغايات - لأبو العلاء المعري
سماهيج: موضع بساحل البحر
ثانياً:الشعر والشعراء
1- الأصمعيات -الأصمعي
بيت شعر لأبو دؤاد الإيادي
وإذا أعرضت تقول قصور ... من سماهيج فوقها آطام
2-التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه - أبو عبيد البكري
جرت عليها كل ريح سيهوج
هوجاء جاءت من بلاد يأجوج
من عن يمين الخط أو سماهيج
3- الكنز اللغوي- ابن السكيت الاهوازي
4- الشعر والشعراء- ابن قتيبة الدينوري
5- أسرار العربية - أبو البركات الأنباري
6- صفة جزيرة العرب- الهمداني
كدهم الركاب بأثقالها ... غدت من سماهيج أو من جواثا
ثالثاً:المصادرالقديمة
وجاء ذكر سماهيج في سياق الحديث في بعض المصادر التاريخية العربية وعلى سبيل المثال لا الحصر
1- تاريخ الطبري - الطبري , تاريخ الأمم والملوك
ألست من أهل هجر ثم من أهل سماهيج
2- بغية الطلب في تاريخ حلب -ابن العديم
وأسكن ما أصاب من سبايا العرب من بني تغلب براري وسماهيج والخط، ومن سبى من عبد القيس وأفخاذ من تميم بهجر.
بين سماهيج وسماحيج :
جاءت لفظة سماهيج في المصادراللغوية العربية على انها موضع وتارة اخرى جزيرة في وسط البحر كما يذكر ذلك ابن منظور في كتابه لسان العرب وكذلك ياقوت الحموي في معجم البلدان ,أما لفظة سماحيج فقد جائت في عدت مصادرعربية كما في المحكم والمحيط الأعظم لإبن سيده .
معنى الألفاظ :
سماهيج بفتح أوله واخره جيم كأنه جمع سمهج اللبن إذا خلط بالماء كما يرى الحموي وقال الأصمعي ماء سمهج سهل لين وأنشد ,أما إبن منظور يرجعها الى أصلها ( سمهج ) والسمهجة الفتل الشديد وقد سمهج الحبل وكذلك سمهج اليمين قال يحلف بج حلفا مسمهجا قلت له يا بج لا تلججا ويمين سمهجة شديدة وقال كراع يمين سمهجة خفيفة قال ابن سيده ولست منه على ثقة وسمهج الكلام كذب فيه والسمهج السهل قال فوردت ماء نقاخا سمهجا ولبن سمهج حلو دسم وأرض سمهج واسعة سهلة وريح سمهج سهلة.
وهنا تكمن المعاني العربية في معنى سماهيج بارجاعها الى أصل الكلمة (سمهج) بمعنى السهل واللين وفتل الحبل.
أما معنى الكلمة (سماحيج) بعد إرجاعها الى الأصل سمحج كما يرى معناها ابن سيده والصاحب بن عباد في كتابه المحيط في اللغة الأتان الطويلة الظهر.
ظاهرة سماهيج وسماحيج :
يبدو أن الأكثر إلصاقاً وانطباقاً بموقع سماهيج القرية الحالية هي كلمة سماهيج الا ان من الظاهر ورود كلمة سماحيج محل سماهيج في مناسبات عديدة تشير الى ذات المعنى للموقع ذاته كما في شعرأبو دؤاد الأيادي
وإذا أدبرت تقول قصور ... من سماهيج فوقها اكام
ونجد ذلك في المخصص لابن سيده وكذلك في تاج العروس للزبيدي
جرت عليه كل ريح سيهوج ... من عن يمين الخط أو سماحيج
والسؤال المطروح لماذا هذا التشابه في الألفاظ عند اللغويين تراهم يذكرون سماهيج تارة تحت معنى السهل واللين ومرة أخرى يذكرونها تحت مسمى سماحيج بمعنى الطويلة الأرض البغيضة ونرى هذه الظاهرة في المصدر نفسه كمايذكر ذلك ابن سيده وابن منظور؟
ربما يظهر ذلك لعدت أسباب تاريخية ولغوية من قبيل التغيير الحاصل للأسماء العربية وتبديلها لأسماء أجنبية أثناء فترات الهيمنه الأجنبية كما نجد ذلك عند المرحوم الباحث الملا محمد علي الناصري أن اسم سماهيج تم تحريفه من قبل الأعاجم وهي تعني الطول مثل ظهر الفرس والناقة فأبدلوا بالحاء هاء ، والجمع من الخيل وذوات الأربع ويعتقد الناصري أنه قد حصل التحريف من قبل الأعاجم وأبدلوا الحاء بالهاء فقالوا سماهيج وسمهوج وكثر القول والتأويل نثراً وشعراً إلى آخر ما قيل من ذلك، وإذا نظرنا إلى ما جاء في المخصص نرى أن ساحل قرية سماهيج ينطبق عليه معنى الطول لأ نه بدون تضاريس وبدون رؤوس ويدون منعطفات. خلاف الكثير من الرؤوس الخاصة بجزيرة المحرق مثل الحد والدير وعراد والحالات ومثل حالة لسلطة واخليفات.
نموذج آخر :
هناك استنتاج جميل للشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة بخصوص مسمى سماهيج وصناعة الحبال في منطقتها كما ذكره في مجلة الوثيقة العدد التاسع ( كانت هذه القرية مشهورة بصنع الحبال في الزمن القديم وكانت الحبال من الحاجات الضرورية لأهل البحرين خاصة وانها كانت تستعمل لربط الواح السفينة بعضها ببعض في الزمن الغابر ولم يكونوا يستعملون المسامير آنذاك .وطبيعة الأرض المستوية والمجاورة لهذه القرية تساعد على مد الحبال ودمجها مع بعضها البعض لتكون ثخينة وقوية وتسمى محلياً بيطة وتستعمل لرفعه الشراع وتسمى(بسه) ولربط السفينة بالمرساة وتسمى (عتاد) وتدخل في كثير من حاجات السفينة وفي أواخر زمن الغوص شاهدت كثيرين من أهل البحر يمدون حبالهم في المكان الذي يشغله مطار البحرين الدولي في الوقت الحاضر )
ماتخفيه مفردة سماهيج :
تبقى هذه الآراء مجرد إجتهادات استنتاجية لتأصيل كلمة ومعنى سماهيج الى اللغة العربية الا أن الكلمة من خلال النصوص التاريخية توضح أنها فارسية الأصل وعربّت فيما بعد الى اللغة العربية كما يلاحظ التطور اللفظي بإدخال بعض الحروف عليها مثل الشين والكاف ,ويبدو ذلك ربما حدث بسبب إثبات شخصية ومكانة اللغة بين الفرس والنساطرة أثناء وجودهم في اقليم البحرين وصراعهم للهيمنة على الأسقفيات في المنطقة في فترة من الفترات الزمنية قبل مجيئ الإسلام , لكن الأمر المحيّر تاريخياً كيف بقى الاسم يعرف لـ (سماهيج) باسم قرية صغيرة على الساحل بينما كان في السابق يعرف بمجموعة جزر لفترات طويلة من الزمن ؟
في الحقيقة هذا السؤال يفتح الباب للتفكر والهيام في فلسفة السؤال والجواب بخصوص المسائل المتعلقة بسماهيج التاريخية في وجود التسمية وأصالتها وموقعها الجغرافي والإستراتيجي المطل على أواسط الخليج ,وكذلك بالنسبة لقضية وجود موقع الأسقفية في تحديدها ومسألة مرفئها القديم الذي اشتهر بتجارة اللؤلؤ والكثير الكثير من المسائل المتعلقة بالمسمى .
5-12-2009
http://samaheej.info/index.php?option=com_content&view=article&id=129:-qq&catid=39:2009-11-27-08-46-29
نشرت في صحيفة سماهيج الألكترونية
http://samaheej.info/index.php?option=com_content&view=article&id=129:-qq&catid=39:2009-11-27-08-46-29
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق