طبيعة السواحل

طبيعة السواحل

الخميس، 13 يونيو 2013

أصول الكيخضاث (كدخدا)

أصول الكيخضاث (كدخدا)

اعداد- جعفر يتيم
     (الكيخضاث) هي إحدى المفردات التي استخدمها صاحب كتاب القبيلة والدولة د.اسحق خوري وتناولها في تحليله للنظام الاقطاعي في عهد عيسى بن علي حاكم البحرين ، والكلمة  تعني بحسب ماسرده الكاتب (جابي الضرائب) ، وللوهلة الأولى بالنظر اليها وقرائتها تعطي القارئ إنطباعاً مسبقاً على أنها مفردة غريبة وغير معروفه ، حيث شكلها ونطقها يشيرلخروجها عن المألوف في اللهجة الدارجة لشعوب الخليج .
وللوقوف عند هذا المصطلح الغريب في اللغة العربية نستعرض بعض المصادر التي تناولت هذه الكلمة لنتعرف عليها أكثر ، هل هي كلمة عربية أصيلة أم لفظة أعجمية ؟ هل الكلمة استخدمت وعُربّت فيما بعد للغة العربية ؟ وماهي لغتها الأم ؟

نماذج  لثلاثة مصادر تناولت المفردة :

1-في باب حرف الكاف (كتح ، كتل) بكتاب المنجد في اللغة يعرفها أنها كلمة فارسية - (الكتخذا) والكتخذاي) : لفظتان فارسيتان يستعملهما ارباب السياسة لمعتمد الوالي ومدبّر اشغاله (ص 672) .(1)
2- في معجم المصطلحات والألقاب التاريخية لمصطفى عبدالكريم الخطيب يُعرفها على انه لفظ (تركي- فارسي) ( (كدخدا) ومعناه (رب الدار) واصبح فيما بعد لقباً بمعنى : حاكم أو عمدة ، أطلق على أمراء الاقاليم في الدويلات الاسلامية التي نشأت في الشرق ، وفي العهد العثماني اعتمد هذا اللقب رسميا فاصبح يطلق بصفة أساسية على كل  معاون أومساعد للموظف الكبير في الدولة .  (2).
3-في المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية للدكتور سهيل صابان  (كتخدا-Kethuda ) ( وهو مراد لكلمة كيخيا ويعني صاحب البيت أو رب البيت ، وهو في الأصل فارسي ، وقد اصطلح على استخدامه لمن يعمل نائبا أو قائما بالأعمال . وكان يطلق في البداية على من يشرفون على أعمال رجالات الدولة أو الوزراء  ومن ينوبون عنهم ، ثم شاعت لتطلق في معناها الواسع على مديري الأعمال أو المشرفين العاملين في معية الكبار ، المعتمدين عليهم في ادارة الأمور الخاصة. (3)
ماطرح من مصادر أعلاه هي عينه من المصادر المتوفرة ، وهناك بلاشك الكثير من المصادر تحوي على العديد من التعريفات والمفاهيم والتوضيحات للمفردة وتُقرب المعنى أكثر للباحث ، ففي هذه المصادر اتضحت رؤية التسائل بالنسبة لأصول المفردة ( كتخدا أو كيخيا) وماتخفيه هذه اللفظة من معنى ، انها كلمة أعجمية غيرعربية (فارسية عثمانية) وعُربت إلى اللغة العربية كما هي المفردة الفارسية (ماشي ماهي) وأصبحت سماهيج فيما بعد ، ولفظة (خُذا) تعني (الله) اسم الجلالة بالفارسية و( كتخذا ) هي كلمة فارسية في الأصل تعني صاحب الدار وقد حُرفت إلى (كيخيا ) مايعني أن المفردة أصولها فارسية ومن بعد أصبح تداولها عثماني( تُركت) وبعد ذلك (عُربت) ، وتطورت تسمية مناصبها الادارية في الدولة العثمانية  إلى أسماء ومسميات عديدة ومنها على سبيل المثال :

- ( كيخيا آغا ) القيّم على الخزينة السلطانية .
- ( كتخداسي ) المعاون الأول للآغا الإنكشارية .
- ( كتخدا بك أفندي ) وهو معاون الصدر الأعظم .

 ومن خلال الاستخدام القاموس العربي التركي الموجود على شبكة الانترت لهذه الكلمات في اللغة التركية (kethüda ،kedhüda ،kahya ) تظهر عدت معاني متقاربه للمفهوم ذاته       ( معتمد ، وكيل ، نقيب البيت ، ناظر ، عريف ، أمين ، مدير ، نائب الوالي و مساعده  ، وكيل ، معتمد  ، كافل الأمور ، نقيب ، معتمد ، وكيل الخرج ، ناظر ، عريف) (4) .

الخوري ومصطلح الكيخضاث :
والسؤال لماذا استخدم الخوري مفهوم كلمة (كيخضاث) في دراسته للحالة البحرينية ، والكلمة في الأصل كلمة غيرعربية ومتعددة المعاني كما أوضحته المصادرسلفاً ، ولماذا خص الباحث المصطلح ذاته بالشأن المالي فقط دون أن يسمي الأمور الادارية الاخرى في النظام الاقطاعي ، مع العلم أن أرخبيل البحرين لم يحكم قط من قبل الدولة العثمانية لكي تتسل اليه هذه المفردة العثمانية ؟!
بكل وضوح في الصفحات الأولى من كتاب (القبيلة والدولة) يوجد تنويه على أن الكتاب أي (الدراسة) المعنية بالشأن البحريني صدرت باللغة الانجليزية عن دار جامعة شيكاغو عام (1980م) وبعد ذلك ترجمت الى اللغة العربية وطبعت في بيروت عام (1983م) وهي دراسة اجتماعية انثروبولوجية قام الباحث بعمل البحث والدراسة في الحالة البحرينية ، ويتضح من خلال سرد وأسلوب الكاتب والنصوص التاريخية التي أوضحها على أنها حالة اسقاطيه نموذجية من الباحث لإحدى مصطلحات ومفاهيم الدولة العثمانية على نظام القبيلة والإقطاع في البحرين لفترة العشرينيات ( فرض الحكم على اهل البحرين في عهد عيسى بن علي عدة انواع من الضرائب على صيد اللؤلؤ وعلى النفوس وعلى مياه الري ، ويقال انهم فرضوا الضرائب على الشيعة لتنظيم مواكب عاشوراء .) (5)
 وربما اعتمد الباحث على أحد مفاهيم التعريفات للكلمة في أصل تطور نشوئها بالتخصيص للحالة المالية كما كان يسمى سابقاً في النظام الإداري العثماني المسؤل أو المختص أو القيّم على الخزينة السلطانية بـ( كيخيا آغا) ، أورد الباحث المعنى الحرفي للمصطلح بـ( جابي الضرائب) وبمعنى آخر كما يفهم ويستفاد من النصوص التي ساقها يكون مفهوم اللفظة ( هي شخصية قريبة أو مقربة من الحاكم  يختارها ويخصها لتمثيله بجمع الأموال (الضرائب) من المواطنين ، وهذه الشخصية قد تكون من سكنة الأرياف أو القرى أوالمدن ) ، وقد تطور الامر باستعمال الفداوية لهذا المنصب ايضاً في جمع الضرائب و(استعان الحاكم بالفداوية لجمع الضرائب والجزية وايجارات المحلات والبيوت من سكان مدينتي المنامة والمحرق ، واعفيت بقيت المدن كالحد والرفاع ، حيث كان يعيش حلفاء أل خليفة القبليون ، من كل أنواع الضرائب )(6)    .
 وبالنسبة لكتابة المفردة بهذا الشكل (الكيخضاث) في المطبوع  ، ربما يكون عامل بيئة المترجم من خلال لهجته الدارجة واستحسانه لابقاء الكلمة على ماهي عليه بدل كتابة المفردة بهذا الشكل الواضح للتعريب (كدخدا) ، والمفردة على مايبدو استعملها الباحث أكثر من مرة بصيغتين متفاوتتين (الجمع ، المفرد) والنص الذي يفيد الجمع ( وساعده في هذه المهمات جميعا مجلس مؤلف من الاقرباء والمستشارين والمقربين ، وجهاز اداري مؤلف بشكل رئيسي ، من الوزراء و الكيخضاث ، والفداوية .)(7) ،  وأما النص الذي يفيد المفرد (وكان الناس في القرى الشيعية حيث كانت نسبة الضرائب مرتفعة ، ينظرون الى (الوزير) وجابي الضرائب (الكيخضاث) ، نظرة ارتياب واشمزاز )(8) .

المصطلح في الاحساء والقطيف :
في الوسط الشعبي البحريني ليس للمصطلح محل في التداول ، لا العامة من الناس ولا النخبة من أصحاب الاختصاصات العلمية والأدبية والفنية يعرفون المصطلح ( ربما يكون هناك شخص من الأشخاص قرأ أو سمع عن المصطلح )  وحتى كبارالسن حينما تسألهم عن المفردة تكون الإجابة لم نسمع بهكذى كلمة من قبل ، وتبقى اللفظة معروفة لدى المختصين بالبحث التاريخي وذلك لتخصصهم بالتراث والتاريخ ، ومن خلال مبدأ السؤال والتحري عن اللفظة الغريبة لمجموعة من الباحثين والمهتمين بالتراث والتاريخ في مدن القطيف والاحساء تبّين أن الكلمة لاتزال في تداول محدود بين كبار السن والمثقفين والباحثين ، وتلفظ (كيخضه) بحذف حرف الألف والثاء واضافة حرف الهاء آخر الكلمة ، وكماهو معلوم أن الدولة العثمانية بسطت نفوذها على أراضي القطيف والاحساء لفترات زمنية محدودة في القرن السادس عشر والتاسع عشر الميلاديّين ، وهو مايدلّل على تسلل هذا المصطلح والمفهوم العثماني الإداري في التراث الشعبي لأقليم البحرين التاريخي .

25-5-2013م
__________________

1-المنجد في اللغة والاعلام – دار المشرق /الطبعة الثانية والاربعون 2007 .بيروت – لبنان .
2- معجم المصطلحات والالقاب التاريخية (ص 363-364)  -  مصطفى عبدالكريم الخطيب - مؤسسة الرسالة بيروت –الطبعة الأولى (1996م-1416هـ)
3-المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية التاريخية (ص 188) – سهيل صابان (الرياض 2000م/1431هـ).
4- الموقع الألكتروني / قاموس ومعجم المعاني (المعاني) :
5-القبيلة والدولة في البحرين (ص 77) / د.فؤاد اسحق خوري – (معهد الانماء العربي) الطبعة الأولى بيروت لبنان 1983مـ  .
6- المصدر نفسه (ص82).
7-المصدر نفسه (77)
8-المصدر نفسه (78)


الجرأة في اعادة التاريخ.

الجرأة في اعادة التاريخ

بقلم- جعفريتيم
من يقول أن التاريخ لايعيد نفسه ، ومن يقول أن التاريخ للاستذكار والعبرة فقط ، إن التاريخ يعيد نفسه مرات ومرات عديدة ، ويمكن للباحث والقارئ أن يتوصل الى أحكام وقوانين تاريخية واجتماعية من خلاله ، ونجد ذلك في أمثلة ونماذج متعددة بالنسبة للتاريخ السياسي المعاصر والحديث لأرخبيل البحرين ، فمن يتفحص أحداث بداية العقد الثاني من القرن العشرين يجد أن بعض المسائل تعيد نفسها ولكن بشكل آخر وبمسيات أخرى وأدوار متنوعة ، إلا أنّ الفكر والعقلية والإيديولوجية هي هي نفسها لم تتغير .
فمنذ الإعلان عن الإصلاحات في فترة العشرينيات من قبل المعتمد السياسي الميجر (دالي) وحاكم البلاد حمد بن عيسى آل خليفة اتضحت المعالم السياسية والاجتماعية في تلك الفترة بين من يريد الحرية وبين من يريد الهيمنة والسيطرة والتسلط من جهة أخرى والبقاء على ماهو عليه من نظم الاقطاع والسخرة .
أدى هذا الانقسام في البلاد الى تكوّن معسكرين متناقضين ، معسكر ينشد ويطالب بالاصلاحات (سكان الأرياف والقرى) ومعسكر رافضاً لها من قبل (بعض شيوخ العائلة الحاكمة ، القبائل العربية) وهي النقطة التي يمكن أن تُقرأ في سطور الماضي القريب ونحن نراها حالياً متجسده على أرض الواقع لما تعيشه البحرين من مخاض عسير بين جميع الأطراف السياسية والإجتماعية والدينية .
ولعل المسألة المتشابكة بين الماضي والحاضر هي مسألة الفطرة الإنسانية في التوق إلى الحرية ومناهضة العبودية تتضح أكثر في نقطة التعاطي ايجابياً مع طرح الاصلاحات ، أوالرفض للإصلاحات واتخاذ الموقف السلبي منها علي حساب مصلحة الانسان والوطن وتصب في مصلحة القبيلة والبازار والاقطاع ، مماحدى بهذا التيار الرافض لافتعال الازمات والضغط على المعتمد السياسي والنظام للتنازل بأشكال عديدة ، أهمها الهجوم على القرى والأرياف وهم أهل البلد الأصليين المسالمين الذين وقفوا مع الاصلاحات بايجابية ، وتمت الإغارة من قبل الجماعات القبلية وفداوية المتنفذين من العائلة الذين عارضوا الاصلاحات ووقفوا منها موقفاً سلبياً، فقد أغار هؤلاء على مناطق سترة وباربار وعالي وغيرها من القرى المسالمة ، ويعود التاريخ نفسه اليوم كما فعلها وقام بها بعض الجماعات المتنفذه والظلامية المألهة للذات الانسانية بهجومهم على القرى المسالمة والمحال التجارية بصور أخرى مختلفة .
وفي نموذجاً آخر للفترة المتصلة من أحداث العشرينيات من القرن الماضي وماتلتها من أحداث سياسية ساخنة وصولاً الى الرابع عشر من فبراير2011م وبالتحديد في أعوام السبعينيات من القرن الماضي اتضح بروز التناقض في السّلم الهيكلي للنظام البحريني والذي يكمن خلله في منصب رئاسة الوزراء من خلال  سلطته وصلاحياته المتداخلة بينه وبين منصب وزير الدفاع والذي هو نفسه ولي العهد .
وفي هذه المسألة يرى صاحب كتاب القبيلة والدولة اسحق خوري الازداوجية في السلطة (من هنا يرى الباحث امكانية بروز ازدواجية في السلطة بين رئيس الوزراء (الشقيق) وولي العهد ووزير الدفاع (الابن) ،اذ ان الابن ، بصفته ولياً للعهد بتمتع بنفوذ يتجاوز رئيس الوزراء ، ولكن سلطته كوزير للدفاع تضعه في مرتبة أدنى من رئيس الوزراء (الشقيق) (1).
وإلى يوم الاثنين بتاريخ 11-3-2013 ورئيس الوزراء لايزال موجود في منصبه بمحصله لأثنين وأربعون عاماً ، وهنا يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى حينما صدر الامر الملكي (2) بتعيين ولي العهد ونائب القائد الأعلى  نائباً أولاً لرئيس الوزراء من مجموع خمسة نواب لرئاسة الوزراء ، مايعني تداخل السلطات والصلاحيات بين رئاسة الوزراء وولاية العهد مرة أخرى .
الاعادة هنا في التاريخ لاتعني بالاهتمام بحجة تطـويـر أداء أجهـزة السلطـة التنفيذيـة كما يُدّعى إعلامياً أو التقدم والتغييّر في أسلوب السلطة ، أوالترحيب بالقرار بالداخل والخارج فكل ذلك اجرائات تتم وتدخل في أسلوب الكر والفر بين النظام والمعارضة والهروب من الاستحقاقات الوطنية والسياسية من قبل النظام ، وإنما الاعادة للتاريخ ومايحمله من مضمون ينظر له في السلوك والعقلية والجرأة في تكرار اعادة التاريخ السياسي الذي اعتادت عليه هذه الشخصيات والجماعات الرافضه للاصلاح ، ومن يسبح في فلكها لتبنيها هذا الفكرالإقصائي الممزوج بايديولوجية ملتويه ليكون عنواناً ظاهراً ونهجاً أصيلاً ومزدوجاً في نظمها  .

10-5-2013
_____________
1-القبيلة والدولة في البحرين / د.فؤاد اسحق خوري - الفصل الخامس (ص 199 ) .
2- صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3838 - الإثنين 11 مارس 2013م الموافق 28 ربيع الثاني 1434هـ http://www.alwasatnews.com/3838/news/read/745691/1.html